تعليم عنيزة وجائزة الذكير
06/11/1443

9I4A5342.jpg

كتب. عبدالله بن علي القرزعي
الإثنين ٢٢ شوال ١٤٤٣هـ
الموافق ٢٣ مايو ٢٠٢٢م
عنيزة والحج والعلم :

عرفت عنيزة قبل الإسلام من الأثار التاريخية المكتشفة، وبعد ظهور الإسلام أمر الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عام ٣٢للهجرة والي البصرة عبدالله بن كريز - رضي الله عنه- حفر آبار على طريق حجاج الشام والعراق وقد  أختيرت عنيزة موقعاً لأحد هذه الآبار.
عبر سنوات كانت عنيزة استراحة لأفواج الحجيج في طريقهم  لبيت الله الحرام بمكة المكرمة حتى باتت واحة غناء وملتقاً ثقافياً يلتقي بها الحجاج من كل حدب وصوب كل عام، إلى أن استوطنت عام ٤٥٠ هجري وعرفت كحاضرة من عدة أحياء عام ٦٣٠ هجري.

عنيزة حاضرة نجد :

منذ نشأتها قامت عنيزة على هدى من علم ونور حيث تلاقت فيها ثقافات أفواج الحجيج عام بعد عام، ولم تعرف الجهل في يوم من الأيام، وقد كان العلم ونوره حاضراً في كل مراحلها، إلى أن انتخب أهلها فضيلة الشيخ عبدالله بن عضيب الناصري التميمي - رحمه الله- ١١١٠ هجري ليكون أول قاضياً فيها ولمن حولها من المدن والقرى.
كان فضيلته يعمل بالقضاء وتعليم الناس حتى انتشر المتعلمين والكتاتيب بعنيزة بشكل ملفت في المساجد وزوايا البيوت، والمدهش أنه قبل دخول الملك عبدالعزيز - رحمه الله- الرياض ١٣١٩ هجري كان قد انتشر في عنيزة الكتاتيب النسائية أيضا إضافة إلى كتاتيب الرجال.
انتهت حقبة الكتاتيب في عنيزة وانتشرت مدارس أهلية منذ عام ١٣٤٠ هجري بدأها المعلم صالح بن عبدالله السالم القرزعي وأخيه عبدالرحمن بن عبدالله السالم  القرزعي امتداداً لكتاتيب والدهم المعلم عبدالله السالم القرزعي ١٣٢٥ هجري - رحمهم الله-، بيد أن منهجيتهم في التعليم تطورت بعد أن تعلموا في الزبير وعلموا في الكويت، ثم افتتحوا مدرستهم ١٣٤٠ هجري في عنيزة ليُدرس فيها مواد القرآن الكريم والقراءة والكتابة والخط والحساب والتوحيد وأنشطة أخرى.
تبعهم في ذلك  المعلم صالح بن صالح - رحمه الله- الذي افتتح مدرسته لاحقا ١٣٤٨ هجري وصولا إلى تحويلها لمدرسة الملك عبدالعزيز كأول مدرسة حكومية عام  ١٣٥٦هجري.

عنيزة وتوسع التعليم الحكومي :

تتابع افتتاح المدارس الحكومية بنين وبنات حتى وصلت اليوم إلى مايزيد عن ٢٠٠ مدرسة، إضافة إلى معاهد وكليات التعليم الفني والتقني وكليات جامعة القصيم المتعددة، بفضل الله ثم ماقدمته حكومتنا الرشيدة.
ومنذ نشأة عنيزة وقبل افتتاح أول مدرسة حكومية بعنيزة وحتى اليوم كان ومازال التعليم (قضية أساسية) لأهالها  فقد تسابقوا للإسهام في العناية به والبذل في سبيله لإيمانهم التام بقيمته على تنشئة الأجيال على عبادة الله على بصيرة وعمارة أرضه خيرًا وفلاحًا وتنمية الوطن المستدامة.
وساعدت تلك الإسهامات في عنيزة بإنشاء المباني، ودعم التعليم بالحوافز والجوائز من قبل الأفراد والجمعيات والمؤسسات والشركات في مشهد بديع من الشراكات والمسؤولية المجتمعية  ماميز التعليم في حاضرة نجد عنيزة.

 الشيخ محمد بن سليمان الذكير رحمه الله 
١٣٣٤_١٤٠٩ هجري :

ولد الشيخ محمد بن سليمان بن محمد الذكير في عنيزة عام ١٣٣٤ هجري، عاش وتعلم بها في الكتاتيب ومدارسها الأهلية حتى بلغ ١٤ عاماً
وفي عام ١٣٤٨ هجري تقريباً سافر إلى والده الشيخ سليمان بن محمد الذكير وعمه حمد  وكانا من أكبر التجار والمحسنين ووجهاء البصرة في العراق - رحمهم الله تعالى-.

عمل الشيخ محمد مع والده وعمه في التجارة، ولشغفه بالعلم درس بمدارسها دون علم والده حتى أكمل المرحلة الثانوية، صمم الشيخ محمد على إكمال دراسته الجامعية واختار تخصص القانون  ولم يكن في البصرة كلية للقانون آنذاك ، وكان التخصص متاحاً في جامعة بغداد.
تواصل الشيخ محمد الذكير مع الجامعة دون علم والده ليكمل دراسته الجامعية، وتوصل إلى اتفاق مع الجامعة بأن يدرس في قسم القانون دراسة مشابهة للدراسة عن بعد، وكان يتردد على الجامعة شهرياً، وكان قد اتفق مع  زميل له  ليدون له المحاضرات ليذاكرها قبل أداء الاختبارات في الجامعة. 
وبعد سنوات من الجد والكفاح نجح في الحصول على البكالوريوس من جامعة بغداد في تخصص القانون. 
توافد الأصحاب والأحباب لوالده الوجيه الشيخ سليمان الذكير ليباركوا له حصول ابنه محمد على الشهادة الجامعية والذي تفاجأ بهذا الخبر الجميل، وما كان منه إلا أن سأل ابنه : كيف فعل ذلك؟ ماجعل ابنه يوضح أنه حريص على العمل معه في مصالحه، ودفعه حبه للعلم إلى مضاعفة الجهد لمواصلة تعليمه دون علمه. 

تمكن الشيخ محمد الذكير من إجادة اللغة الإنجليزية والقانون وكان محط ثقة دول عدة وعمل قنصلاً فخرياً في العراق لعدة دول أوروبية وأجنبية، ورأس الغرفة التجارية في البصرة حتى عودته للسعودية من البصرة عام ١٩٦٩ م الموافق ١٣٨٩ هجري.
مارس الشيخ محمد أعمال التجارة في الدمام وجدة واستقر بالرياض حتى وفاته عام ١٤٠٩ هجري.

جهود الشيخ محمد الذكير في دعم مسيرة التعليم بعنيزة ومبادرته بالجائزة :

كان لوجهاء أسرة الذكير العريقة  ككل جهود كبيرة في الدعوة وإنشاء المساجد والمدارس والمكتبات والحركة الاقتصادية والثقافية ومكافحة التنصير في دول عدة كالعراق والكويت والبحرين.
وقد ساهم والد الشيخ محمد الذكير الشيخ سليمان وأخيه حمد في إنشاء مدرسة النجاة بالزبير.
وكون الشيخ محمد الذكير شهد مآثر والده وعمه وإحسانهم في مجالات عدة  استشعر مسؤولياته تجاه دينه ووطنه ومدينه عنيزة والتعليم، ومن حبه وشغفه لعنيزة كان يتردد عليها شهرياً ليقضي بعض الوقت فيها، يتفقد أحوال أقاربه وأصدقائه والتعليم فيها، ويقدم الدعم للمدارس والطلاب المحتاجين، ويُكرم الطلاب المتفوقين في كل مدرسة.
 و لاحقاً أتت فكرة تكريم جميع طلاب مدارس عنيزة المتفوقين في حفل واحد وشارك الشيخ محمد الذكير الفكرة رئيس التوجيه والإرشاد بتعليم عنيزة الاستاذ صالح بن عبدالعزيز الحسين - رحمه الله - 
 بادر الشيخ محمد بن سليمان الذكير عام ١٤٠٥ هجري شخصياً بزيارة إدارة التعليم ومديرها سعادة الأستاذ الفاضل محمد بن عبدالله النعيم - حفظه الله - ليعرض عليه الفكرة والتي رحب بها سعادة المدير، وانطلقت الدورة الأولى للجائزة ١٤٠٦ هجري على شرف أمير عنيزة آنذاك وبعدها رعى أصحاب السمو الملكي أمراء منطقة القصيم الجائزة حتى تاريخه.
وكان قد زار الشيخ محمد الذكير أيضاً إدارة تعليم البنات بعنيزة لتنفيذ برنامجاً مماثلاً للطالبات وحالت الإجراءات الروتينية من انطلاقته كما في البنين.

وفاة الشيخ محمد الذكير وبقاء أثره ومآثره :

في عام ١٤٠٩ هجري توفي صاحب اليد البيضاء والدعم السخي والفكر النير الشيخ محمد بن سليمان الذكير- رحمه الله تعالى- بعد أن رسخ بمبادئه ومبادراته أهمية العناية بالعلم والتنافسية فيه وتكريم التفوق، وهو البرنامج الذي انطلق من تعليم عنيزة وعممته لاحقًا وزارة المعارف على كافة مناطق مملكتنا الغالية لإدارات التعليم بنين وبنات.
وتعد الشراكة المجتمعية للذكير مع التعليم أول شراكة مع التعليم على مستوى الوطن الكبير.
 حاز الشيخ محمد الذكير- رحمه الله - بمبادراته الكريمة الريادة والعراقة والأصالة والأجر والله نسأل أن يتقبل منه ووالديه وذريته..
بعد وفاة الشيخ محمد تقدم عدد من أهالي عنيزة من واقع شغفهم برعاية التعليم كقضية أساسية في مجتمعهم الزاهر لرعاية المتفوقين بدلاً عنه، ووفاءً وعرفاناً وحفظاً لمبادرات الشيخ محمد الذكير، عرضت إدارة التعليم الفكرة على أبنائه الذين كانوا امتداداً لخيرية والدهم - رحمه الله- وتمسكوا بالاستمرار في رعاية الجائزة احتساباً للأجر و براً وصلة بوالدهم الذي أحب عنيزة والعلم وأحبه ودعى له أبناء عنيزة على الدوام. 

جائزة الذكير في دورتها ٣٧ :

أقيم حفل الجائزة مساء يوم الأربعاء ١٤٤٣.١٠.١٧ بمركز القصيم العلمي بمناسبة استثنائية برعاية كريمة من سمو أمير منطقة القصيم راعي العلم والمعرفة صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود آل سعود  لثلاث دورات ٣٥؛٣٦؛٣٧ لأعوام ١٤٤٠؛١٤٤١؛١٤٤٢ نظراً للإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا،
وكُرم ٥٥٥ طالباً من مدارس تعليم عنيزة وبرامج التربية الخاصة ومدارس تحفيظ القرآن الكريم فيها.

الأستاذ سليمان بن محمد  الذكير وأخوته 
وجهودهم في دعم برامج تعليم عنيزة :

امتداداً لعناية جده ووالده بالتعليم جاءت مبادرات الأستاذ سليمان الذكير وإخوته متتابعة لبرامج تعليم عنيزة على الدوام،
فقد بادروا إلى تكريم المتقاعدين والمتقاعدات في حفل الوفاء لأهل العطاء، وساهموا بسخاء في توفير ١٥٠٠ جهازاً تقنياً لأبناء الأسر المحتاجة لمواصلة رحلتهم التعليمية عن بعد على منصة مدرستي،
ضمن شراكة مجتمعية شاملة بقيم وطنية و تربوية وإنسانية،ليكونوا بذلك إنموذجاً فريداً ومميزاً ويتسنموا مجد الاستثمار في ثروة الوطن التي لاتنضب ثروة العقول. 

اليوم... 
قدمت جائزة الذكير منذ انطلاقتها ١٤٠٦ وعبر ٣٧ دورة للوطن مايزيد عن ٥٠٠٠ طالباً متفوقاً يساهمون بقوة في تنمية وطن الخير والإسلام والسلام في مختلف مجالات التنمية فمنهم العلماء والأطباء والمهندسين والقادة والقضاة....  فسبحان من سخر فكر الشيخ محمد الذكير وأبنائه البررة  لخدمة دينهم ووطنهم في مبادرات انتفع بها أبناء الوطن عامة. 

خاتمة :
كون هذا العام أخر عام لكاتب المقالة في الإشراف على جائزة الذكير خلال ١٢ عاماً منذ ١٤٣٢هجري يشرفني تدوين هذه المقالة لتكون مرجعاً للجائزة وتاريخها العريق وأثرها الإيجابي، وتأريخ سيرة ومسيرة رائدها المحسن الكبير الشيخ محمد بن سليمان الذكير وأبنائه البررة وأسرتهم الكريمة. 
متمنياً التوفيق والسداد في قادم الأيام لكافة من يعمل في التعليم وديمومة هذه الجائزة والمحافظة على تاريخها وعراقتها وأصالتها. 

بطاقات شكر وتقدير وعرفان ودعاء :

١. لرائد الجائزة الشيخ محمد بن سليمان الذكير رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته. 
٢. لأسرة الذكير الكريمة، وأبنائه البررة والأستاذ سليمان بن محمد الذكير وأخوته على كريم بذلهم ولباقتهم ودعمهم السخي. 
٣. للمتفوقين ومدارسهم وأسرهم ومعلميهم على امتداد تاريخ الجائزة على عنايتهم بالعلم والتعلم والتفوق. 
٤. لأصحاب السعادة محافظي عنيزة ومديري التعليم الذين ساهموا في استمرار الجائزة ودعمها ورعايتها. 
٥. لكافة المرشدين الطلابين ومشرفي الإرشاد ورؤساء قسم التوجيه والإرشاد على مدى امتداد تاريخ الجائزة. 
٦. لأقسام النشاط والعلاقات والإعلام والإدارية والمالية والأمن والسلامة على مساندتهم ودعمهم وتعاونهم وتكاملهم. 
٧. لكافة الجهات الحكومية والأهلية التي استضافت إقامة حفلات الجائزة. 
٨. للأخ والأستاذ عبدالله بن حمد البداح رئيس قسم التوجيه والإرشاد والذي كانت الجائزة محط عنايته واهتمامه طوال سنوات خدمته وحتى تقاعده. 

وشكر خاص لسمو أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود آل سعود راعي العلم والمعرفة على رعايته الكريمة السنوية للجائزة. 
والشكر موصول تقديراً لأصحاب السمو الملكي أمراء منطقة القصيم. 

فاللهم تقبل منهم أحسن ماعملوا وأجزهم برحمتك خير الجزاء في الدنيا والآخرة. 

دمتم بخير وتوفيق من الله..